يتغير الإنسان . يتغير بشكل مذهل . يتغير إلى درجة تخيفه هو نفسه أحياناً . حين أتذكر مثلا كيف كنت أفكر قبل سنوات . ما هي الأفكار التي كنت أؤمن بها . وما هي الأفكار التي أؤمن بها الآن . وكيف تغيرت ، وكمية التجارب التي مررت بها لكي تتغير .
حين أتذكر الأشخاص الذين كنت أحبهم وأختلط بهم وأعتمد عليهم وأئتمنهم وكيف تغير ذلك الآن .
كيف تمر السنون علينا وتمر بصماتها القوية والقوية جدا على حياتنا .
كيف يتغير الأصدقاء وكيف نتغير نحن . ومن فينا الذي تغير فعلاً ، يصعب عليّ إيجاد الجواب دائما ، هل كانوا كذلك فعلاً وأنا الذي تغيرت أم أنهم لم يكونوا كذلك وتغيروا ، أم أننا جميعاً أنا وهم تغيرنا ؟
حتى البلدان تتغير ، حتى نظرتنا للبلدان تتغير حتى مقدرتنا على الإستمتاع بالأماكن تتغير .
هل يعقل أن تانف من بلد أحببته كثيرا وعشقته ، وهل يمكن أن تصبح ضجته التي أحببتها يوما شيئاً مزعجا ومرهقا لم تعد ترحب به وتطيقه ، وهل يمكن أن تنقلب البساطة في نظرك إلى فجاحة والقدم إلى رثاثة .. هل يمكن ذلك ؟
وهل يمكن أن تحب بلدا لم تكن تحبها أو تخشاها أو تحس أنها تتعالى عليك ، فتتبدل إلى بلد تعرف كيف ترحب بك وكيف تستقبلك وكيف تتعامل معك ؟
هل يمكن أن تتغير نظرتك حتى إلى الكتاب ، فتغدو تطرب لكاتب لم يكن يطربك ، وتتابع مقالاته وتشيد بما يكتب ، هل تغير الكاتب وتغيرت طريقته في الكتابة وتغيرت نظرته للحياة ، أم أنت الذي تغيرت نظرتك إلى الكاتب وإلى الحياة ، أم أنكما تغيرتما معا ..
هذا التغيير الذي هو سمة الإنسان .. كيف ندرك قوانينه .. كيف نستطيع أن نفهم أننا يمكن أن تغير غداً ، فيصبح الشخص الذي أحببناه عدواً والشخص الذي كنا نخافه قريباً .. كيف يمكن أن نقدم على كل شيء بمنتهى الحماس ، دون أن نتردد لأن ما نقبل عليه اليوم بكل إرادة وحماس ، قد يغدو غداً شيئاً قبيحاً لا نطيق النظر إليه .. ؟
أليس هذا شيء مخيف ؟